فيلم: إسكندرية ليه؟- في ذكرى يوسف شاهين – مشاهدة وشهادة معاصرة

فيلم سينما

التاريخ

2023-07-08

الوقت

19:00

البرنامج

السينما

عن الفعالية:

 
“إسكندرية ليه … سؤال الأنا و ما قبلها، و آفاق تجاوز آنيتها “
 
يعد “إسكندرية ليه” الفيلم الأول في رباعية السيرة الذاتية ليوسف شاهين من حيث تاريخ إنتاجه (أعقبه فيلم، حدوتة مصرية – إسكندرية كمان وكمان – إسكندرية نيويورك) أفتتح شاهين بإسكندرية ليه تجربة لم تكن معهودة في السينما المصرية و العربية من قبل و هى أن يخوض صانع الفيلم مغامرة تعرية ذاته من خلال السينما ك سرد متخيل لسيرته الذاتية، و فتح بهذا الباب أمام مخرجين مصريين و عرب آخرين من أجيال لاحقة عليه لخوض مغامرات شبيهة، أبرزها من مصر “سرقات صيفية” ل يسري نصرالله و “أحلام صغيرة” لخالد الحجر، و من سوريا محمد الملص (“أحلام المدينة” و “الليل”) و من تونس، نوري بوزيد (“صفائح من ذهب” و “ريح السد”) و آخرين.
 
بالعودة للوراء قبل سنة إنتاج الفيلم نتلمس بقوة تأثير صدمة التحديات الكبرى التى مرت بمصر على تطور المشروع الفني ليوسف شاهين، فبدأ في خوض تجارب صناعة افلام يدفعها هم كشف وتعرية كل ما كان يشكل “الأنا” على المستوى الجمعي و تجسداتها المتعددة الوجوه فقدم (الأرض، الاختيار، العصفور و عودة الابن الضال) ثم في مرحلة لاحقة تحول الاهتمام ليس فقط تحت تأثير المتغيرات على المستوى العام و لكن أيضا تأثير نفس المتغيرات على شاهين نفسه كذات تسعى للانعتاق و التمرد المستمر على قيود تشكلها و هواجسها تجاه نفسها و سؤالها الملح عن الآخر.
 
في هذا الفيلم ظهر استيعاب شاهين ك صانع افلام للخطوات التي يخطوها العالم في فن السينما و لغة التعبير البصري من جهة، و التحولات التي تشهدها الساحة الدولية و الإقليمية من جهة أخرى، يمكن الافتراض ببعض لا بأس به من الثقة أن “الأنا” – الفردية و الجماعية – هى الهم و الدافع خلف مشروع يوسف شاهين ككل
 
 ألا يمكننا العثور على الأنا الشاهينية بكل ما صبغها من عوامل التنشئة الأسرية و دور الأب، الآخر و الطموحات الفردية الكبيرة في عالم مرتبك متضمنة في أفلامه الأخرى مثل باب الحديد و العصفور و اليوم السادس و المهاجر و المصير ؟! ألا يمكننا التلصص على لمحات من أجواء أسرة جبرائيل شاهين في تجربته الاولى “بابا امين” ؟! في الحقيقة يكمن الفارق الجوهري بين افلام الرباعية و بين باقي الأفلام السابق الإشارة إليها أن شاهين اختار أن يعلن عن أناه هذه المرة دون مواربة و بعد أن سرد عنها ك ظل متواريا لقرينه الاكبر (الأنا الجماعية) قرر أن الوقت حان ليقلب وجه العملة ويقدم أناه هو لنشاهد إنعكاس الأنا الجماعية على مرآتها و ما يود أن يقوله عنها..و عنه.
 
“إسكندرية ليه لم يقدم قصة “يحيى” معزولا عن سياق أكبر، فمن خلال فصل كامل من الفيلم نشاهد الاسكندرية (المصرية الكوزموبوليتانية) لا (الكوزموبوليتانية – الكوزموبوليتانية) التي دار في فلكها بعض ممن كتبوا و سردوا القصص عن الاسكندرية من قبل، فربما كان فيلم إسكندرية ليه هو الأبعد عن الرؤية النمطية المتكررة التي تقولب المدينة في بعد واحد و وجوه واحدة، و ما نعتقد أنه مكن شاهين من تحقيق هذا بسهولة (ربما دون أن يشعر) أنه هو نفسه نشأ ك شاب مصري متعدد الاصول و مختلط بكلا المصريين والأجانب دون ان يحمل وقتها أجندة هوياتية أو موقف إيديولوجي يحد من احتكاكه بواقع مسقط رأسه في هذه الفترة المفصلية من تاريخ العالم في القرن ال٢٠، كل ما أراده الفتى يحيى وقتها هو أن يصير ممثلا مثل جين كيلي، يرقص و ينطلق دون قيد و بلا خارطة تحدد بحسم وصرامة من يمكن أن يكون موضوعا للحب و من يقع في خانة الآخر المكروه.
 
 ‏و على مستوى الأسلوب كان الفيلم من ضمن الأكثر معاصرة و ما بعد حداثية في هذه اللحظة من تاريخ السينما المصرية من حيث لغة السرد، في عدم الالتزام الصارم بالخطية في الحكي، و مع استغلال عناصر أساسية مثل حركة الكاميرا و حوار و حركة الشخصيات داخل المشهد بشكل يجعل المتفرج يشعر كأنه متورطا بينهم و خارجهم في آن واحد لا مجرد متلقيا يجلس بعيدا 
 
اكتسب “إسكندرية ليه” مكانه بين كلاسيكيات السينما المصرية و لا شك أنه فيلم ينفتح على التأويلات المتعددة و ها نحن الآن بعد مرور ١٥ عاما على رحيل يوسف شاهين و أعوام أكثر على رحيل عصر و ظرف تاريخي تبلور فيه مشروع شاهين، ظرف لانزال نعيش تبعاته، تلك التبعات التي هي كل ما شغل شاهين و دفعه لصنع أفلامه،،،سؤال الأنا و الآخر، الهوية و الحقيقة..و ها نحن معكم نعاود المشاهدة و التساؤلات
 
كتب: علي نجاتي 
 
تصوير: فريد موسى