سينما سعيد مرزوق
مرحلة المغامرة والتجارب
سينما سعيد مرزوق: مرحلة المغامرة و التجارب، يدور هذا المحور ببرنامج نادي سينما الجزويت لشهر اكتوبر عن الافلام الاولى في مسيرة احد اهم مخرجي السينما المصرية أ/ سعيد مرزوق، و سبب إختيار اولى افلامه الروائية الطويلة “زوجتي و الكلب” إنتاج ١٩٧١ و فيلم “الخوف” إنتاج ١٩٧٢ لأنهما شكلا المرحلة الاكثر توجهها للتجديد و الخروج عن السائد ف السينما المصرية بذلك الوقت من حيث شكل السرد و معالجة الفكرة، بل و سبقا في جانب منهما ما بدأته تيارات سينمائية عالمية لاحقة على انتاج فيلمي سعيد مرزوق
ندعوكم في هذا المحور من برنامج نادي سينما الجزويت ل شهر اكتوبر ٢٠٢٣ لإعادة مشاهدة و مناقشة المرحلة الاولى الجامحة من سينما سعيد مرزوق على الشاشة الكبيرة
الفيلم من تنسيق وتقديم / علي نجاتي
فيلم : الخوف
انتاج: 1972 مصر
النوع: دراما
مدة الفيلم : ساعة و 8 دقائق
المشهد الافتتاحي
يبدأ الفيلم بانعكاس وجه أحمد (نور الشريف) بشكل محرَّف على السطح المعدني لماكينة صنع القهوة. يتحرك مبتعدًا ثم يتوقف أمام النادل. يغلق عينيه من الإرهاق ويضع كاميرا على البار. يتحرك حاملا الكاميرا ويتوقف من جديد أمام ماكينة القهوة فيظهر (كأصل) من ظهره ووجهه منعكس على السطح المعدني. يتحرك والقهوة في يده ويقف خلف حاجز زجاجي. ينظر في البعد فيستعرض مجموعة من الصور الفوتوغرافية (أبيض وأسود) لمنازل مدمرة وجرحى ومصابين. ثم تظهر سعاد (سعاد حسني) مع صورة لطفل مصاب في مستشفى. اللقطة مقسمة طوليًّا في منتصفها بين البطلة (بالألوان) والصورة (أبيض وأسود). يتتبع أحمد سعاد من خلال الحاجز الزجاجي وهي تتحرك مستعرضة الصور ذاتها التي رأيناها من قبل، معروضة على حوائط المكان في أطر خشبية.الإضاءة في المساحة التي تتحرك فيها سعاد متساوية بينما الإضاءة في حيز أحمد خافتة، كثيفة الظلال. يداعب أحمد طفلة صغيرة ويدعها تعبث بالكاميرا. تبتعد سعاد عن الصور وتقف ترشف قهوتها فيقترب منها أحمد. يقفان بحذاء ماكينة القهوة فيظهران كأصلين وانعكاسين. ثم تقطع سعاد الصمت الحرج بسؤال- من فضلك هو التحرير منين؟
في المشهد الافتتاحي لفيلمه الثاني يتحرك سعيد مرزوق ومدير تصويره المخضرم عبد الحليم نصر والمونتير محيي عبد الجواد بلا عناء بين المساحات المختلفة ذهابًا وإيابًا، صعودًا وهبوطًا، من الأمام وإلى الخلف، ثباتًا وحركة.٤١ تغيير “كادر” في ثلاث دقائق ونصف.
ثلاثي إلهي صغير يخلق بحنكة فائقة “مكانًا” للواقع و”منطقًا” الذكرى و”إطارًا” للتمثيل. فالبطل هو من نراه بشكل مباشر (الأصل) وهو انعكاسه المحرف على السطح المعدني وهو أيضًا مجموع الأصل والانعكاس (من خلال الحاجز الزجاجي المفتوح جزئيًّا). ثم هو أيضًا صاحب الكاميرا.يغلق عينيه ممسكًا بعينه الاعتبارية التي تنقل الواقع لكن يبقى في تمثيلها له قاصرًا عن الأصل الذي ولده فهو أبيض وأسود.
هناك فاصل مادي بين الأصل والتمثيل واستبيان الفوارق بينهما يسير وإن كان غير كامل، فالحاجز الزجاجي يعبث بالأصل بفعل الانعكاسات.
هناك تباين صريح بين ازدحام مساحة “الواقع” (المقهى) بالناس والأصوات والروائح والدخان، ورحابة واستقامة وخواء مساحة “التمثيل” (معرض الصور).
الصور تعبر عن الواقع بشكل هندسي عقلاني محكم في لقطات مستطيلة متماثلة الأحجام داخل أطر خشبية سميكة متراصة على الحوائط بانتظام.طفلة صغيرة تعبث بالكاميرا.
يختم سعيد مرزوق هذه الجمل البصرية البليغة بتساؤل مباشر: ما الفرق بين الواقع وتمثيله؟ ثم يزيد عليه بسؤال سعاد لأحمد الذي يبعث بنا إلى واقع خارج إطار المشهد، واقع أصيل فيزيد مستوًى جديدًا على ما سبق وأفرده من مستويات.
نحن هنا بصدد خمسة مستويات: الواقع السينمائي ممثلا في المقهى المكتظ بالرواد، والتمثيل للماضي ممثلا في الصور الفوتوغرافية، والتمثيل للحظة الحاضرة على الأسطح العاكسة، وذاكرة البطل والبطلة ممثلة في استعراضهما للصور (التي التقطها هو) والتي عاشتها هي كواقع (كما يتضح في ما بعد)، وأخيرًا الواقع الأصيل خارج إطار التمثيل ممثلًا في ميدان التحرير والذي لا تعرف البطلة مكانه!
من فضلك هو التحرير منين؟ لكم هو ثقيل هذا السؤال القصير. من الممكن أن يكون مرزوق قد قصد به أن يعبر عن تيه البطلة ويُتمها فهي حتى لا تعرف طريقها إلى “سرة” هذه المدينة الكبيرة. والآن ماذا يستحضر في ذهن مشاهد الفيلم؟ أو كاتبة هذه السطور أو من سيقرؤها لاحقًا؟يا للتيه!
دائرة سين – ٢٠١٣
كتبت/ هالة القوصي – فنانة و مخرجة سينمائية مصرية
الحضور مفتوح للجمهور بدون تسجيل أو حجز مسبق